وجهات نظر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

وجهات النظر فى المنتدى لا تعبر بالضروره عن رأى المنتدى بل هى تعبر عن آراء اصحابها


    يسألونك عن المثقف

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 76
    تاريخ التسجيل : 30/08/2009

    يسألونك عن المثقف Empty يسألونك عن المثقف

    مُساهمة من طرف Admin السبت سبتمبر 05, 2009 3:21 am

    إذا كانت الثقافة تعني، الوعي والمعرفة، وهي بالتالي: موقف ومبدأ، وعطاء وسلوك، وإبداع وابتكار فإن المثقف الحقيقي هو من يدق باب الوعي المغيّب، والمعرفة الخفية، ويحتل دور المناضل الطليعي في زمن التغير والتحول، ويحمل مشعل التنوير والريادة، ويشق الطريق، لإعادة بناء الأمة على أسس حضارية مدنية، وهو بهذا يخوض صراعاً ومواجهة عنيفة، بكفاءة وثقة، بين الحداثة والتقليد بتياراتهما المتعددة. يتجلى هذا في الصراع بين التفكير العلمي العلماني، والتفكير السلفي المتخلف، الذي يرتدي مسوح التدين حيناً، والدين منه براء، ومسوح التراث، وهو لا يفقه منه إلا القشور، وأين منه العمق والتعمق فيه، والتجديد في لبه وهياكله، والمثقف هذا، الذي يتسلح بقوة المبدأ ونور المعرفة، ومصداقية الوعي والتفكير، لديه من القوة والثقة ما يمكنه من مواجهة أعداء الفكر والإنسان، أعداء العدالة والتقدم بعيداً عن الخوف والإملاء، فهو متمرد رافض لأساطين الفساد والاستبداد، وزمر العرقلة للمسيرة الحضارية، وهو يعرف أن الأمة لن تنهض، وعجلة المدنية لن تتحرك إلى الأمام طالما بقيت هذه العراقيل قائمة، وقيودها محكمة على المجتمع، تضطهد الفكر والمفكرين، وتدجّن الثقافة والمثقفين، لكن المثقف الحر، المتنور يخوض معركته مع الزيف وهيمنة الهلوسة والتفكير الهلامي المشعوذ، فيفضح ويتمرد، ويكشف المسكوت عنه، محاولاً أن يخرج بالمجتمع من هول الفجائع، ورماد اليأس، ومن حرائق التشتت والعنف، ووباء اللامسؤولية والخواء، إلى العمل والتجديد، عبر بث روح الإبداع والابتكار، بعيداً عن الثقافة الرثة التي جمعت شواردها من هنا وهناك وعن منابرها القميئة التي تدعي الطهارة والنظافة، مدعية الأمانة ظاهراً لكنها مدثرة بعقول مدجنة خاوية، تبث سمومها في الزوايا والخفايا، وتجتر ما اخترعه السابقون، وتحرفه على هواها، بما لا يخدم المجتمع، أو يذود عن الوطن ويحمي واقعه وتراثه ويدفع عربته إلى الأمام.‏

    إن مهمة المثقف الطليعي هي تقريب الحلم من الواقع وخلق التواصل مع المجتمع، لإنتاج الوعي، والاحتفاظ بدور الشاهد في المشهد الثقافي والعمل على تطويره وتجديده.‏

    وإعلان موقفه ورفع صوته في وجه أعداء الحياة، غير آبه بوحشيتهم ولا مكترث بتهديداتهم، فهو صاحب مشروع تنويري مفتوح على الغد مسلح بالأمل والحلم، بعيداً عن اليأس والإحباط، لا ينحني أمام العصاة الخارجين على المنطق والمبحرين في سفن التقليد والتخلف، وإن كلفه هذا حياته، فهو يعرف تماماً أنه إن لم ينجز مشروعه التنويري فهو ميت روحاً وعقلاً، لذلك فهو يسعى دائماً لتحريك الإبداع وفتح نوافذ الضوء المترعة بالحرية والأمل، علّها تكسب الكائنات التي أصابها العفن، ونخر أجسادها التعصب، على اختلاف ألوانه، شيئاً من القوة للتغلب على مرضها، والتخلص من الحقائق الزائفة التي حُقنت بها، ومن الملكيات المنخورة المضبوعة بعدو وهمي تصطنعه لتبرّر تخلفها وخيانتها، وتمسكها بخوفها على ماضيها الذي بات لا يلائم مسيرة العصر بوسائله وأفكاره، ولا يتماشى مع الحداثة وهي تمضي في عربة التحديث وزهو الانتصار.‏

    إن إزالة الصدأ عن العقل والفكر مهمة لا تنتهي للمثقف، لصنع هوية الإنسان المعاصر ومجتمع الحداثة، بل عليه إبداعها باستمرار كرهان على المستقبل مهما قسا الحاضر، كما يقول محمود درويش: "الحاضر يخنقنا، ويمزق هوياتنا، ولذلك لن أجد أناي الحقيقية إلا غداً، عندما أستطيع أن أقول شيئاً آخر، وأن أكتب شيئاً آخر، الهوية ليست إرثاً، بل إبداع، إنني أسعى لأن أربي الأمل، كما نربي طفلاً، وحتى أكون ما أريد أن أكون، وليس ما يريد غيري أن أكون".‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 17, 2024 10:49 am