وجهات نظر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

وجهات النظر فى المنتدى لا تعبر بالضروره عن رأى المنتدى بل هى تعبر عن آراء اصحابها


    الميتا مسرح

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 76
    تاريخ التسجيل : 30/08/2009

    الميتا مسرح Empty الميتا مسرح

    مُساهمة من طرف Admin السبت سبتمبر 05, 2009 3:13 am


    يقال ان حكيما صينيا مشهورا وقف في طابور طويل ليقتطع بطاقة دخول عرض مسرحي ، فزاحمه صبي صغير لم يبلغ الخامسة عشر من عمره ، فاراد الحكيم مشاكسة الصبي فقال له :


    لم تريد مشاهدة العرض المسرحي ؟ اجابه الصبي فورا : اريد ان اعرف ، فعاد يساله : وماذا تريد ان تعرف ؟ فاجابه الصبي : ما تريد انت ان تعرفه ، فقال له الحكيم : لم لا تاتي وتتتلمذ عندي واعطيك المعرفة ، فضحك الصبي قائلا : هنا ساعرف ما لا تعرفه والا لما كنت انت هنا . وهرع الصبي لدخول المسرح ، وبعد انتهاء العرض المسرحي صادف الحكيم الصبي عند الباب فساله مازحا : ماذا عرفت ؟ فاجاب الصبي : عرفت كيف اعرف وعرفت انك لا تعرف ماذا اريد ان اعرف .

    هذه الحكاية الطريفة تكشف لنا بوضوح اهمية ودور المسرح في البناء المعرفي المجتمعي الانساني سواء لشريحة النخبة الواعية ام لشريحة النخبة الشبابية المتطلعة الى مزيد من الاستنارة في الوعي ، ذلك ان المعرفة التي يقدمها المسرح بكل مؤثراته الحسية والادراكية لابد ان تخلق مسارا معرفيا وفوق معرفيا في وعي المتلقي وتفكيره حتى وان كان هذا لا يبدو هدفا صريحا ومباشرا ، فالمسرح بكل اتجاهاته ومدارسه الفنية والفكرية يقدم اهم معرفة للمتلقي وهي " ان يعرف كيف يعرف " .

    ومن هنا بدات الرؤية النقدية للمسرح الحديث ودوره واهدافه الانسانية تنضج ، ومع تطور الدراسات والبحوث النقدية الحديثة ظهر ما يعرف بفلسفة الميتا مسرح التي كسرت الحواجز التقليدية في تصنيف المكونات الاجرائية للمسرح لتعتمد التذويت لهذه المكونات الاجرائية في وعي وما فوق وعي المتلقي الذي اصبح مدمجا وشريكا في مهمة "كيف يمكن ان يعرف " ، وبمعنى اخر صار الهدف الفلسفي الضمني للميتا مسرح "ان لا يمنح سمكة لجائع وانما ان يعلم الجياع كيف ان يصطادون السمك" ، فالتاثير على ادراك المتلقي مهمة عسيرة وذلك لتنوع واختلاف الادراك للمثيرات الحسية والمعرفية بين المتلقين ولكن حين يعمل المسرح على اشراك هذا الادراك ودمجه في بوتقة العمل المسرحي فذلك مهمة اكثر صعوبة ، لذا سعى مصممو المسارح الى اعتماد التقنيات الحديثة وتجاوز تقنية المسرح الثابت والمتحرك نسبيا وتقنية العتبة بين المسرح والجمهور نحو اعتماد المسرح الدائري الواقع في قلب صالة العرض حرف( O ) والمسرح العمودي الدائري (φ ) والمسرح الاهليجي المتحرك الدوار ∂ والمسرح المصمم على شكل حرف (T ) المستعار من خشبة عروض الازياء والمسرح المتداخل على شكل حرف (W ) ومسرح النواة الشبيه بنواة الذرة ومسرح المدارات الشبيه بمدارات الالكترون والمسرح المتشضي (اكثر من 3 خشبات مسرح في الصالة للعرض الواحد) فضلا عن التمازج بين هذه التصميمات وغيرها . كما ابدع الفنيون في ادخال التقنيات الحسية الجديدة مثل اطلاق روائح معينة على الجمهور ضمن سياق العرض او نزول رذاذ مطر (كاذب) على الجمهور او حدوث برق ورعد صوتي وضوئي في سقف صالة العرض فوق الجمهور فضلا عن توظيف فتح سقف الصالة على مصراعيه في اثناء او نهاية العرض المسرحي . وما كل تلك الاستخدامات التقنية الا لخدمة زيادة وتوسعة وتحسين ادراك المتلقي وليس لاجل المتعة والاثارة واجتذاب الجمهور ، وقد وصل الامر الى استبدال مفردات مثل "الجمهور" ،" المتلقين" ، "الحضور" الى مفردات "المشاركين" ،" المدمجين "،" فئة العرض" . ولم يتوقف الامر عند هذا بل صار العرض الميتا مسرحي يستعيض عن الكلمة بالحركة والايماءة والمؤثرات الضوئية والصوتية والشمية واللمسية فضلا عن الارتقاء بالنص المسرحي لمستوى ما بعد الرمزية . فالفعل يبقى كامنا في المعنى يستدل عليه من مختلف المؤثرات الحسية فيما يظهر رد الفعل في شكل الصراع الذي يجسد ثيمة العمل المسرحي ويكون مفعما بالدلالات والرموز التي تسحب الوعي الى النتيجة او الحل او النهاية التي يحجم العمل عن قولها او تجسيدها بل يمهد لها ادراكيا بحيث لا يختلف عليها اثنان ولا يشك في تحقيقها احد كونها تصب في الوعي الفرداني ،انها بلورة الوعي حد القناعة بمنطقية النهاية او الحل او النتيجة وحتميتها على وفق منطق الادراك ، وبهذا خرج النص المسرحي من مرحلة بث الشك والتناقض في التاويل الى مرحلة الايمان بحتمية النتيجة من منطلق الواقع المسقرأ منطقيا ، ذلك ان المتلقي نفسه خرج من دور المتفرج الى دور المشارك وهذا يعني ان مراقبته للعمل المسرحي كانت ممتزجة ومتسقة مع مراقبته لوعيه ، فشخوص العمل المسرحي هي انساق من مكوناته الشخصية في احداثياتها الانسانية والكونية الشاملة ، انه يرى فيها ظله ويستكشف فيها اسقاطاته ويرقب فيها ذاته مرتين في آن واحد ، مرة في الشخوص ومرة داخل وعيه، انه يبني المقدمات بفعل التاثير الدرامي ويستنتج النتائج باثر ما بعد التاثير الدرامي . وعلى هذا فان الميتا مسرح يعنى بقضية المتلقي – الانسان – الفرد في كينونته بانساقها الجمعية الانسانية وليس جمهور المتلقين زمكانيا في وجودهم الاني امام العرض المسرحي . ولكي يتحقق هذا فلابد ان يخرج النص المسرحي من اسر الاطر الذاتية والمحلية الى شخصنة النموذج الانساني في محدداته الحالية وملامحه المرتقبة ، وهنا مازال الصراع الفلسفي قائما بين ماهو كائن وما يجب ان يكون في الشخصنة على الميتا مسرح .

    فالنموذج الانساني الحالي مفعم بالالم والاسى والدم والحرمان والبؤس ، والنموذج المرتقب مفعم بالفرح والسعي والتنمية المستدامة ، والسؤال الذي يطرحه منظروا وفلاسفة الميتا مسرح : كيف يمكن ولادة النموذج المرتقب من النموذج الحالي بشكل تمهيدي استقرائيا او استنباطيا على وفق المنطق الذي هو الاكثر التصاقا بالذاكرة والاكثر اقناعا للوعي ودون حشر او اقحام الفعل المفترض الذي يتميع حتى قبل ان يصل الى وعي الذاكرة ، ثم يعود هؤلاء ليتساءلوا عن نتائج تجسيد جدلية التناقض بين النموذجين ليكون السؤال : هل سيبقى المسرح كما هو رمزه الان ؟ :القناع الضاحك ، القناع الباكي . وهل تبقى هذه الفلسفة الثنائية ملصقة بالمسرح كاحدى التهم البدائية ؟.

    يبدو ان دمج هذين النموذجين بشخصنة مسرحية واحدة ستكون هي مهمة الميتا مسرح وهي المساحة اللا متناهية لاطلاق الابداع المسرحي الجديد في العرض والتناول والمعالجة والتفاعل مع جمهور المتلقين بوصفهم مدمجين فردانيا وعلى نحوتكاملي .


    منقول

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 17, 2024 7:31 am